الجمعة، 19 نوفمبر 2021

شَمعةٌ جديدة، وجَوابٌ مَجهول.







لطالَما كُنتُ شَخصاً يُقدَّسُ أعيادَ الميلاد، أو "أيامَ" الميلاد كما كانت مُعلِّمتي لمادةِ التربية الإسلامية تَحرِصُ أن تقول،

لطالَما كنتُ شخصاً يَبتهِج بقُدومها ويعتقد أنَّ يوم ميلاد المرء هو يومٌ مميزٌ، وإن لم يَكُن مُميزاً بحدِّ ذاته، إذاً علينا أن نجعله كذلك.

علينا أن نَحتِفل، أن نُشعل الشّموع..أن نُغنّي..والغناء هُو فقرتي المُفضَّلة بالطَّبع، وَلا يَهُمني أنني لا أَملِكُ صوتاً عَذباً، فَهُوَ يومُ الميلاد..اليوم المُميز! يوم الاستثناءات حَسَبِ تعريفِ قاموسي.

قررتُ أن أرتدي اليوم ثَوبي الأحمر المُنقَّط بنقاطٍ بيضاء، اعتقدتُ أن لوناً مُميزاً كالأحمَر يُناسبُ يوماً مُميزاً كهذا، ودَندَنتُ لِنَفسي "يا لابس الثّوب المنقّط..اسمك يا حلو ما فيه نقطة"، واكتشفتُ أنني في الحقيقة أجهلُ باقي كَلِمات الأُغنية، ولا أَحفَظُ مِنها إلا هذا المقطع، ولكن لا يَهُم، أنا لَم ولَن أكونَ شخصاً يرفُضُ إهداءاتِ الأغاني، حتّى وإن كانت منّي وإليّ. وخصوصاً في يومي المُميز.

تمعنتُ كثيراً في الشَّمعةِ المَوضوعةِ على كَعكتي، والتي -بالمُناسبة- قد اخترتها لِنفسي، حيثُ أنَّ الجميع أصبَح يعلَم بقوانيني الخاصّة في ما يخصّ الطَعام، وبما أنني انتقائيةٌ في جودةِ ونوعيةِ ما أضعه في مَعِدَتي، تَرَكني الجميع أختار كعكتي بنفسي.

أينَ كُنَّا؟ نَعَم صحيح...الشَّمعة.

شَمعةٌ تقليديةٌ تُمثّلُ عُمري الذي بَلغتُه، اثنان وعُشرونَ عاماً،

أَتمعَّن....وأُفكِّرُ في الشَّمعة....لا شيء مُميز بخصوصها...إنها من الشُّموع التي تراها مُتوفرةً -ومُهمَلةً- دائماً على رُفوفِ المكتبة، وبِثَمَنٍ بَخس، لكنَّها اليوم شمعةٌ مُميزة، أليسَ كذلك؟ تمَّ انتقائها خصّيصاً لتكون شَمعة الميلاد المُميز، تُرى أتشعرُ باقي الشُّموع على رفِّ المكتبة بالغيرةِ من شَمعَتي بعد أن أصبَح لوجودها مَعنى؟

ياااه...المَعنى...المَعضِلة الوجودية الأبدية.

عليَّ أن أبحثَ الآن عن اقتباسٍ مُنمَّقٍ لأضعه في حسابات السوشال ميديا مُعلِنَةً عن يومِ ميلادي، اقتباسٍ ذو معنى يُثير الإعجاب.

ما الذي من المُفترَض أن يتفكَّر ويَشعُر به الإنسان عندَ بلوغِه العام الثاني والعشرين من عُمره؟

"٢٢"

رَقمَيْن مُتمَاثِلَيْن بجانب بعضِهما، إنه بحقّ رقمٌ مُميز، إنه يَصلُح أن يكون رقَماً تتفاءَلُ بِهِ قارئةُ الفِنجان إن تراءَى لها في قاعِ فِنجاني، أو رقماً تقرأهُ قارئةُ الكُفوف وهي تَلمسُ خطوطَ كفّي فَتُخبرني أنَّ شيئاً مُبهِجاً يَنتظرني، نجاحاً باهراً..حظّاً جميلاً..أو زواجاً قريباً تَفرَحُ بهِ أُمي.

أشعرُ بأنَّ كُلُّ ما حولي يُحاولُ أن يُوَّجهني تجاه إجابةٍ مُحتَمَلةً لسؤالي، ويَحملُ في باطِنه مَعنى يَنتِظرُ منّي التأملَ والتّفسير، يومُ الجُمعة..سماءٌ زرقاء..غُيومِ نوڤمبر..هواءٌ عَليل..كعكةٌ لذيذة..شمعةٌ تحملُ رَقماً مُميزاً..وثَوبٌ أحمَر.

لكن...لِمَ لا زِلتُ أشعُر باللّا مَعنى؟
رُبمّا لأنها أجوبةٌ واضحةٌ، سَهلة، النوع غير المُفَضَّل من الأجوبةِ بالنسبةِ لي، لأنني وكَما قال الشَّاعِر مظفَّر النوَّاب:

"أنا يعجبني أدوّر عالقُمَر بالغيم
ما أحبّ القُمَر كلّش قُمَر.."


إنها اللَّعنة.
إنها لَعنةُ أن تكونَ مُحبَّاً للحَفرِ عميقاً..ومُستمرَّاً بالحَفرِ كأن لا وجودَ للقاع، إنها لعنةُ الإدمانِ على الرِّحلة دونَ أملٍِ للوُصول.

لعنةُ التفكير..الغَوص في التساؤلات..وطرحِ المزيد منها قبلَ السَّعي للحصول على أجوبتها،
ورَفض الأجوبة الجاهزة المُعلَّبة، ولَعنةُ التصديق بأنَّ كُلّ شيء يجب أن يحملَ أبعاداً عديدة وتفاصيلَ عميقة، ولَعنة الاعتقاد بأنَّ اختياري للثَّوب الأحمر يجب أن يُشير لشيءٍ أبعَدَ من كوني -وبكلّ بساطة- أُحبّ اللون الأحمَر، وأبدو أجمَلَ فيهِ.

شَمعتي تشتعلُ في كلِّ عام، وتُشعلُ معها سؤالاً جديداً، سؤالٍ دونَ جَواب، لأنَّ الجواب -لِشَخصٍ مِثلي- هو بالتحديد مايُطفئ الشَّمعة، ويُطفئني مَعها.
فأنا أُحبُّ شُموعي مُشتَعِلةً، لهيبُها أحمرٌ...كَثَوبي، تُشعلُ أسئلةً تَدفعني لإكمالِ طريقي في مَتاهةِ البَحثِ عن مَعنى لِما حولي، مَعنى مَجهول..ومَتاهةٌ لا أعلمُ مَتى وأينَ خَطُّ نِهايتها، أو بالأحرى لا أُريدُ أن أعلَم.
أُريدُ أن أجري تارَّةً في المَتاهة، وأريد أن أَمشي بُهدوءٍ تارَّةً أخرى، وأريدُ أن أَصِلَ إلى أماكنَ لم تَكُن بالحُسبان، وأستكشِفَ زوايا في مَواقِع لم تكن ضِمنَ الخَريطة، وأُريدُ أن أتعَب من الجريِ والمَشي، فأستريحُ...لأعودَ وأُكمِلَ التّيه،

وفي كلّ عام..أريدُ شَمعةً جديدة، وجوابٌ مَجهول.